صورة لشعار شركة Airbnb

أمرت السلطات الإيطالية بمصادرة مبلغ 779.5 مليون يورو (حوالي 835 مليون دولار) من شركة تأجير الوحدات السكنية لأجلٍ قصير -شركة Airbnb- على خلفية مزاعمَ بالتهرّب الضريبي.

واتهم ممثلو الادعاء في مدينة ميلانو الإيطالية شركة Airbnb بالفشل في تحصيل ودفع المستحقات الضريبية المترتبة على مداخيل الإيجار التي حصلَ عليها مُلّاك العقارات ممّن استخدموا المنصّة بين عامي 2017 و2021. وبموجب القانون الإيطالي، يتعيّن على شركة Airbnb اقتطاع نسبة 21% من دخل المُضيف وتحويلها كمستحقاتٍ ضريبيةٍ للحكومة الإيطالية.

وفيما استهدف أمر المصادرة عمليات Airbnb داخل إيطاليا، لكنّه شملَ أيضاً أموالاً لشركةٍ أيرلنديةٍ تابعةٍ للشركة الأم Airbnb، كما يخضع حالياً ثلاثةٌ من مديري الشركة السابقين في البلاد للتحقيق نظراً لدورهم خلال فترة الانتهاكات المزعومة.

من جانبها، صرّحت شركة Airbnb في بيانٍ لها حول الحدث بأنها “فوجئت وأصيبت بخيبة أملٍ” إثرَ الإجراءات التي اتخذتها السلطات الإيطالية ضدّها مؤخراً، كما أكدت عزمها الطعنَ في القرار أمام المحكمة، مشيرةً إلى محافظتها على التزامها الدائم والكامل بقانون الضرائب الإيطاليّ، وشدّدت أيضاً على أنها تبذل جهوداً حثيثةً لحلّ المشكلة ودياً مع السلطات منذ حزيران/يونيو 2022.

إجراءاتٌ صارمة ضد التهرّب الضريبي المزعوم لشركات التكنولوجيا

تأتي هذه الخطوة وسط حملة إجراءاتٍ صارمةٍ اتخذتها سلطات البلاد لمكافحة التهرب الضريبيّ المحتمل لشركات قطاع التكنولوجيا الكبرى متعدّدة الجنسيات العاملة في البلاد، حيث ترى الجهات الرسمية أن هذه الشركات تستغل ثغراتٍ قانونيةً وهياكلَ مؤسّسيةً معقّدةً لتجنب الوفاء بالتزاماتها الضريبية.

وفي سوابقَ مماثلةٍ، فتح المدّعون الإيطاليون عام 2019 تحقيقاً في الإقرارات الضريبية الإيطالية لشركة نتفليكس (Netflix)؛ وفي وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، بدأ مسؤولون التحقيق مع شركة ميتا (Meta) بشأن مزاعم بتخلّفها عن دفع ما يزيد عن 800 مليون يورو من ضرائب القيمة المُضافة (VAT).

ويبدو أن شركة Airbnb أصبحت الآن آخر أهداف حملة الملاحقات هذه، حيث تؤكد السلطات أن تهرّبَ الشركة من دفع المستحقات الضريبية قد حرم الدولة من إيراداتٍ مهمّة. وتُعتبر إيطاليا إحدى أفضل وجهات السيّاح سواءً الأوروبيين أو غيرهم من بقية دول العالم، والذين يُقدَّر عددهم بـ 65 مليون سائحٍ سنوياً.

وتشير البيانات الواردة من موقع التحليلات Airbtics -والذي يوفر إحصاءاتٍ مثيرةً للاهتمام حول شركة Airbnb من جميع أنحاء العالم- إلى أن معدلات الإشغال للعقارات التي تتيحها الشركة للإيجار بمدن إيطاليا الرئيسية مثل روما ونابولي وميلانو تتجاوز 80%. وفي الوقت نفسه، فإن متوسط قيمة الإيجار لليلةٍ واحدة في مدينة البندقية -على سبيل المثال- يصل إلى حوالي 300 يورو.

وفي مسعى منها لحلّ هذه المسألة، أشارت الحكومة الإيطالية إلى خططها الرامية إلى زيادة الحصيلة الضريبية وتشديد الرقابة على قطاع الإيجارات قصيرة الأجل، والتي تهيمن عليها شركة Airbnb. وبالمثل، فقد اتهمت دولٌ مجاورةٌ مثل فرنسا منصّةَ الإيجارات Airbnb بتفاقم مشكلة نقص المساكن وتراجع التحسين الحَضَريّ لهذه المساكن.

وسبق لشركة Airbnb أن طعنت بقوانين الضرائب الإيطالية للمُضيفين في المحاكم الأوروبية؛ ففي عام 2022 زعَمَت أن الشروط داخل إيطاليا تتعارض مع مبدأ الاتحاد الأوروبي المتمثل في حرية الحركة للخدمات، ولكنَّ محكمة العدل الأوروبية أيَّدت حق إيطاليا بإلزام منصّاتٍ مثل Airbnb باقتطاع وتحويل المستحقات الضريبية نيابةً عن المُلاك المحليين، لتمهّد هذه الهزيمة القانونية لشركة Airbnb الطريق لاتخاذ إجراءاتٍ محتملةٍ ضدّها على خلفية عدم امتثالها للقوانين.

وبحسب جهات الادعاء، فإن ما يزيد عن 2 مليار يورو من الضرائب المستحقة بين عامي 2019 و2021 لم يتم دفعها بسبب عدم إفصاح المُضيفين عن المداخيل المستحقة لشركة Airbnb بشكلٍ صحيح. ومع ذلك، فالشركة تنفي ارتكاب أية مخالفاتٍ، وتؤكد التزامها بكافة القوانين المعمول بها على الدوام.

شركة Airbnb تعتزم الطعن في هذا الإجراء لكنّها قد تبقى عُرضةً لأضرارٍ معنوية

في معرض ردّها على عملية المصادرة، قالت شركة Airbnb إنها واثقةٌ من امتثالها الكامل للقوانين الإيطالية، وأعربت الشركة عن عزمها ممارسةَ حقوقها القانونية بالطعن في هذه الاتهامات.

وفي السياق نفسه، أشارت شركة Airbnb أيضاً إلى أن مكتبها الأوروبي حاول منذ حزيران/يونيو الماضي الدخول في محادثاتٍ مع سلطات الضرائب الإيطالية لتسوية النزاع، ولكن بدا من الواضح أن المدّعين قرّروا اللجوء إلى القضاء بدلاً من التفاوض على تسويةٍ سلميّةٍ، حسب وصفها.

يمكنكم أيضاً قراءة المزيد: تحديثٌ لأكثرَ من 90 إحصائيةً حول Airbnb لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023

ومن الواضح أن هذه الخطوة تحمل أهميةً رمزيةً خاصّةً حيث تؤكد عزم إيطاليا على مكافحة التهرّب الضريبيّ لشركات التكنولوجيا الكبرى، كما أنها بمثابة تحذيرٍ للمنصّات التي تتّبع في نشاطاتها أساليبَ يمكن أن تؤدي إلى حجب تدفقاتها النقدية.

مع ذلك، فإن التنفيذ الفعليّ لعملية المصادرة قد يواجه عقباتٍ قانونيةً ممتدّةً، نظراً لرفض شركة Airbnb لاتهامات التهرّب وتأكيدها على إيفائها بالتزاماتها الضريبية، لذا فقد تستغرق القضية سنواتٍ بساحات المحاكم إلى أن تتمكن السلطات من إجبار شركة Airbnb على دفع الغرامات المترتبة عن نشاطاتها.

ومن خلال اتخاذ إجراءاتٍ عقابيةٍ، تؤكد إيطاليا من جديد التزامها بضمان إلزام الشركات متعدّدة الجنسيات العاملة محلياً بدفع ما يترتّب عليها من مستحقاتٍ ضريبيةٍ، وهو ما قد يتسبّب بتفاقم مخاطر الإضرار بسمعة شركة Airbnb من حيث الامتثال لقوانين البلاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى إثارة تساؤلاتٍ مشابهةٍ حول الممارسات المالية للشركة في دولٍ أخرى.

وفي النهاية، تسلّط هذه الحادثة الضوءَ على زيادة التشديد الرسميّ على سجلات الضرائب المحلية لكبريات شركات قطاع التكنولوجيا؛ وحتى إن بدت شركة Airbnb عازمةً على دحض هذه المزاعم، فإنها باتت تحت عدسة الرقابة المباشرة داخل إحدى أقوى أسواقها على مستوى العالم.