مع تزايد أهميّة القضايا الاجتماعية في الثقافة والمجتمع الحديث، أصبحت مفاهيم التسويق المجتمعي والتسويق الاجتماعي ضروريّةً لمختلف أنواع المنظمات والمجموعات والشركات والمبادرات للبدء بالتغيير الاجتماعي وتعزيز نتائج جهود العلامات التجارية.

بإمكان هذه الإستراتيجيات إحداث تغييراتٍ إيجابيةٍ حقيقيةٍ في عالمنا مع المساعدة -بذات الوقت- في تحسين الصورة العامة للشركة وتحقيق أهدافها، وفي حال اعتبار أن شركتكم تقف مع الجانب الخاطئ في قضيةٍ اجتماعيةٍ مهمةٍ لعامة الناس، فقد يكون هذا مدمّراً لها تماماً. وبالمقابل، تهتمّ الشركات باتخاذ مواقفَ أكثرَ اتساقاً مع الاتجاهات العامة الغالبة تجاه القضايا الهامة لتحسين الصورة العامة لعلامتها التجارية وبالتالي زيادة المبيعات.

ستخوض هذه المقالة بشكلٍ أكثرَ عمقاً في خبايا التسويق المجتمعي والتسويق الاجتماعي والفرق بين المفهومين، وسبب ضرورة فَهمِها من قِبَل المسوّقين، بالإضافة إلى مناقشة الإستراتيجيات والاتجاهات الشائعة التي يستخدمها المسوّقون.

ما هو التسويق المجتمعي؟ وكيف يختلف عن التسويق الاجتماعي؟

التسويق المجتمعي هو إستراتيجيةٌ شائعةٌ تستخدم فيها مجموعةٌ ما مثل مؤسسةٍ خيريةٍ أو غير رِبحيّةٍ أو حتى حكومةٍ ما أساليب التسويق التجاريّ التقليدية بهدف تحسين الوضع العام للمشاهدين أو المجتمع ككلّ.

نجد التسويق المجتمعيَّ اليوم في كلّ مكان، ومن المحتمل أنكم شاهدتم مئاتٍ إن لم يكن الآلاف من الأمثلة في حال متابعتكم المنتظمة لأيِّ نوع من أنواع الوسائط الإعلامية (مثل التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحف أو اللوحات الإعلانية). وتُعد حملات مكافحة التدخين من الأمثلة الأكثرَ انتشاراً، إذ تستخدم منظماتٌ مثل Truth Initiative وAction on Smoking and Health (ASH) مختلف الأساليب التسويقية -كالإعلانات- عبرَ وسائل التواصل الاجتماعي لنشر فكرة أن التدخين مضرٌّ بصحتكم.

وتجدر الإشارة إلى أن التسويق المجتمعي ليس إستراتيجيةً تستخدمها الشركات الهادفة لتحقيق الربح، على الرغم من أن هذا المصطلح يستخدم أحياناً بشكلٍ غير صحيح لوصف نوع مماثلٍ من الإستراتيجيات يسمى التسويق الاجتماعي.

ما هو التسويق الاجتماعي؟

يسهل الخلط بين التسويق الاجتماعي -والذي يُعرف أيضا أحياناً باسم تسويق القضية- ونظيره المتمثل في التسويق المجتمعي، إلا أنهما على قدرٍ كبيرٍ من الاختلاف؛ ففي حين أن التسويق المجتمعي مخصّصٌ للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الربحية ومجموعات الصحة العامة والمبادرات المماثلة التي تركز فقط على إحداث تغيير مجتمعيٍّ مؤثرٍ باستخدام أساليب التسويق التجاري، فإن التسويق الاجتماعي يُعَد إستراتيجيةً مماثلة تستخدمها الشركات الرِبحيّة لتعزيز قضيةٍ معينةٍ مع التركيز على أهداف الشركة بذات الوقت.

وتساعد هذه الخطوة في تحسين صورة العلامة التجارية والصورة العامة للشركة مع الاستمرار بإحداث تأثيرٍ اجتماعي يؤدي بدوره إلى توسيع قاعدة المستهلكين وزيادة المبيعات. وبالرغم من أن بعض الشركات تستخدم إستراتيجيات التسويق الاجتماعي بشكلٍ رئيسيٍّ نظراً لإيمانها الفعليّ بالمبادرات التي تدعمها، إلا أن الكثيرَ منها -ببساطةٍ- يبحث عن الفوائد الحقيقية التي يمكن للشركة الحصول عليها من وراء اتباع مثل هذه الإستراتيجية.

ومن الجدير بالذكر أن التسويق الاجتماعي شائعٌ للغاية، وغالباً ما شاهدتم الأمثلة العديدة عليه في السنوات الأخيرة. مثلاً، في كلِّ مرّة يُطلب منك فيها التبرّع بمبلغ ضئيلٍ عند دفع الفواتير، فهذه حملة تسويقٍ مجتمعي؛ إذ لا تحاول هذه الإستراتيجيات تحقيق مكاسبَ ماليةً للشركة، بل تقوم بجمع الأموال لدعم مختلف أنواع القضايا، وفي ذات الوقت تحسين صورة علامة الشركة التجارية بكونها محرّكاً مهماً لإحداث تغييراتٍ مجتمعيةٍ إيجابية.

هل بإمكان التسويق الاجتماعي تقديم قيمةٍ لمعظم المسوّقين؟

يُعَد تحقيق الربح الهدف الأساسيَّ للتسويق التجاري، لكنَّ التسويق الاجتماعي يتخذ نهجاً مختلفاً، فهل يمكن لتعزيز الوضع العام عبر المبادرات الإيجابية أن يكون مفيداً للشركة على المدى الطويل؟ سنغطي -فيما يلي- بعض الأسباب التي تجعل التسويق الاجتماعي يُعدّ ضرورةً لعلامتكم التجارية، بالإضافة إلى بعض المآخذ المحتملة التي يجدر بكم الالتفات إليها.

تحسين صورة علامتكم التجارية

بالرغم من أن الرؤية العامة للتسويق الاجتماعي تختلف عن نظيرتها للتسويق التجاري، إلا أن تأثيرها على المستهلكين في عصرنا الحديث مستمرٌّ بالتنامي، حيث يعتقد 60% من المستهلكين في دراسة Social Justice التي أجراها موقع Porter Novelli أن التغيير الحقيقيَّ يُعَد أمراً ممكناً بشكلٍ كبير إذا تعاملت الشركات مع قضايا العدالة الاجتماعية بفعالية. كما أشار استطلاعٌ آخر إلى أن 76% من المستهلكين الأمريكيين يؤمنون أن دعمهم للشركات المهتمة بمعالجة القضايا الاجتماعية العالمية يجعلهم جزءاً من الحل.

جديرٌ بالذكر إشارةُ هذه الدراسات إلى الدور البارز الذي يمكن أن يلعبه التسويق الاجتماعي في إمكانية تواصل الشركة مع المستهلكين؛ حيث أن اتخاذ خطواتٍ ملموسةٍ لتحسين الأوضاع العامة للأفراد والمجتمعات يمكنه تعزيز الصورة العامة للشركة ويثري سمعة علامتها التجارية، وتعد TOMS إحدى أشهر المسوّقين للمساعي المجتمعية العامة اليوم؛ إذ حقق نموذج “واحد مقابل واحد” الذي تتبعه نجاحاً فورَ إطلاقه في عام 2006، ما ساعد علامتها التجارية على تعزيز ثقة وولاء المستهلكين.

بناء ولاء المستهلكين

يمكن أن يكون التسويق الاجتماعي أيضاً بمثابة اللاصق الذي يربط المستهلكين بالعلامة التجارية، ويشير تقريرٌ صادرٌ عن Engage for Good أن 76% من جيل الألفية على استعداد لشراء منتجات الشركات الداعمة لأحد المساعي المجتمعيّة النبيلة، وعليه يمكن للشركات المساهمة في البرامج ذات التوجه الاجتماعي بناء ولاء قويٍّ من قِبَل المستهلكين عبرَ التأكيد على دعمهم لنفس القضايا.

وتتغيّر عقلية المستهلك بسرعةٍ ملحوظةٍ، لذا فإن الدفاع عن قضيةٍ صحيحةٍ أمرٌ لا غنى عنه من أجل اكتساب ولاء المزيد من المستهلكين والاحتفاظ بهم. ووفقاً لدراسةٍ أجرتها Nielsen Global، فإن معظم المتسوّقين (56%) على استعداد لدفع المزيد مقابل المنتجات التي تبيعها العلامات التجارية الداعمة للمساعي النبيلة من خلال إبداء اهتمامهم المشترك بذات المساعي.

توفير ميزة تنافسيّة

تتنافس العلامات التجارية باستمرارٍ للتفوّق على بعضها البعض، وقد يكون التسويق الاجتماعي بمثابة الطريق لبناء علاقاتٍ أقوى مع المستهلكين بالاعتماد على المساعي محلِّ اهتمامهم، والذي يدل على التزام العلامة التجارية بالتأثير بشكلٍ إيجابيٍّ على المجتمع، ما قد يعزّز من الشعور بالثقة والمصداقية بين المستهلكين الراغبين بإيجاد شركاتٍ جديرة بالثقة؛ وبالتالي فبإمكان التسويق الاجتماعي إحداث حالةٍ من الشغف بعلامتكم التجارية ودفع العملاء إليها بدلاً من الشركات المنافسة، حيث تظهر إحدى الدراسات أن 89% من المديرين التنفيذيين يعتقدون أن العلامات التجارية التي تدعم إحدى القضايا أو المساعي النبيلة تتمتع بميزة تنافسيةٍ، حيث أن معالجة إحدى القضايا الاجتماعية الرئيسيّة توفر لكم ميزةً تضعكم في مرتبةٍ أعلى من منافسيكم.

عامل جذب للموظفين والمواهب

يمكن أن يكون التسويق الاجتماعي بمثابة عامل جذب للموظفين والمواهب لعلامتكم التجارية، وتُظهر دراسةٌ أجرتها شركة Glassdoor أن 73% من البالغين الذين شملهم الاستطلاع لا يرغبون بالعمل لدى الشركات التي لا تتوافق قيمُها مع قيمهم، كما يعتقد 79% من المدراء التنفيذيين الذين شملهم الاستطلاع الذي أجرته شركة PwC أن دعم قضيةٍ اجتماعيةٍ يُعد عاملاً بالغ الأهمية لتحسين رضا الموظفين.

فمن خلال إظهار تفاني شركتكم في التأثير الاجتماعي، يمكنكم كسب جاذبيةٍ أكبرَ لأفضل المواهب، إذ يرغب الموظفون في العمل لدى شركةٍ تؤثر على عالمهم، ويفضلون الانضمام والالتزام بعلامةٍ تجاريةٍ تشاركهم قيمهم، حيث يمنحهم ذلك إحساساً بامتلاك هدفٍ نبيلٍ ويقلل من معدل تركهم للوظائف.

كما أن وجود مبادرة تسويقيةٍ اجتماعيةٍ واضحةٍ يساعد الموظفين على بناء روابط بشكلٍ أفضل مع العلامة التجارية وكلِّ ما تمثله، ويغرس فيهم الشعور بالإنجاز ويساعدهم على الترويج لعلامتكم التجارية في دائرة أصدقائهم وعائلاتهم.

خفض الإنفاق التسويقيّ

لعلَّ إحدى الأفكار التي يتم تجاهلها -غالباً- هي الكيفيّة التي يساعد بها التسويق المرتبط بالقضايا الاجتماعية الشركة على خفض إنفاقها التسويقيّ الإجماليّ؛ وتؤدي الشراكة مع المنظمات المهتمة بمعالجة القضايا الاجتماعية إلى تزايد الوعي بالعلامة التجارية وبناء علاقاتٍ عامةٍ إيجابيةٍ متعلقةٍ بها، ما يؤدي -بشكلٍ مباشرٍ- إلى زيادة شهرة علامتكم التجارية وصورتها ومعرفة منتجاتكم وخدماتكم على نطاقٍ أوسع.

وإجمالاً فإن وجود هدفٍ ورؤيةٍ واضحةٍ لما تمثله علامتكم التجارية قد يكون التعويذة السحريّة التي يمكنها نقل شركتكم من كونها مغمورةً إلى الشهرة العامة؛ فهل تجعل هذه الفوائد التسويق الاجتماعي أفضلَ إستراتيجيةٍ لتعزيز أداء شركتكم؟ والجواب على ذلك: “ليسَ كثيراً”، إذ توجد أيضاً بعض العيوب التي يمكن أخذها على هذه الإستراتيجية.

عدم ثقة المستهلك

في حين أن المستهلكين عادةً ما يقدّرون الشركات ذات التأثير الدائم على القضايا الاجتماعية، يزداد انعدام الثقة حول العلامات التجارية التي تستخدم هذه الإستراتيجية، خاصّةً عندما يتم استخدامها بشكلٍ خاطئ؛ فعلى الرغم من أن العديد من العلامات التجارية تختار القضايا الاجتماعية الصحيحة، إلا أنها تفشل في جعل جهودها تبدو حقيقيةً، ممّا يؤدي لعزوف المستهلكين المحتملين، إذ قد يقود ذلك لاعتبارِ العملاء تسويق القضايا وسيلةً تتّبعها الشركات لتحسين وضع علامتها التجارية وتبييض صورتها العامّة والحصول على تقييماتٍ إيجابيةٍ من قبل الجمهور. وتبعاً لتقريرٍ صادرٍ عن Traction فإن 41% من المشاركين الذين شملهم الاستطلاع ينظرون إلى التسويق الاجتماعي باعتباره لا يعدو كونه “مجرّد وعودٍ فارغةٍ”، وتعتقد نسبةٌ مماثلةٌ أن كافة الشركات تقريباً تستخدمه لذات الغاية؛ كما وجدَ 25% من المشاركين أن مثل هذه الجهود التسويقية مزعجةٌ في كثيرٍ من الأحيان.

توليد عواقبَ غير مقصودة

بينما يُعَد التسويق الاجتماعي وسيلةً محوريةً لتعزيز قضيةٍ اجتماعيةٍ قيّمةٍ وتحسين العلامة التجارية في ذات الوقت، إلا أنه قد يؤثر بشكلٍ غير متوقّع على الجمهور المستهدف؛ فمثلاً، حظيت حملة “واحدٌ مقابل واحد” التي أطلقتها شركة TOMS Shoes بجاذبيةٍ واسعةٍ نظراً لتلبيتها احتياجاتٍ فريدةً من نوعها، إلا أنها أثّرت سلباً على نموّ الأعمال الصغيرة في البلدان النامية، حيث وجدت دراسةٌ أن تجار الأحذية المحليين يواجهون انخفاضاً في الدعم بسبب تدفق الأحذية المتبرّع بها إلى مجتمعاتهم.

تُستخدم لشراء حسن النية

عادةً ما يرغب المستهلكون في أن تكون الشركات أكثرَ انخراطاً اجتماعياً، لكنّهم سيرفضون أيّ محاولةٍ لاستخدام هذه الوسيلة من أجل الحصول على شعورٍ لدى العامة بحسن نيتهم على حساب قضاياهم الاجتماعية؛ وذلك ما يحصل غالباً عندما تكون الرسائل التسويقية للعلامة التجارية غامضةً ومفتقرةً إلى الشفافية، كما كان الحال مع شركة الأزياء الرجالية Joseph Abboud عام 2010، عندما وعدت بالتبرّع بجزء من مبيعاتها لمدة أسبوع كاملٍ لضحايا زلزال هايتي، دون توخّي الشفافية بشأن نسبة مبيعات البدلات التي سيتمّ التبرّع بها أو المبلغ المحدّد الذي تبرّعت به فعلياً. لذا، وعند إطلاق حملةٍ كهذه، فمن الأهمية بمكانٍ النظر إلى الكيفية التي ستبدو عليها علامتكم التجارية، إذ إنّه من المؤكد أنكم لا ترغبون بأن تظهر كعلامةٍ تجاريةٍ تسعى لمجرّد الاستفادة من قضيةٍ عالميةٍ لتحقيق مكاسبَ شخصيّة.

أشهر إستراتيجيات التسويق الاجتماعي

يُعَد الشروع في حملة تسويق اجتماعيةٍ قراراً يتطلب دراسةً متأنية، فمن جهةٍ يمكنها تعزيز القبول العام لعلامتكم التجارية وبناء علاقاتٍ أفضل مع جمهور عملائكم المستهدف، إلا أن خطأ واحداً قد ينسف كافة هذه الجهود. وللتخفيف من هذه المخاطر، قمنا بإنشاء قائمةٍ بأفضل الإستراتيجيات المتاحة للمسوّقين الاجتماعيين.

التبرّع مع عمليات الشراء

يتمتع فعل العطاء بجاذبيةٍ قويةٍ، لذا فغالباً ما يرتبط الأشخاص المؤثرون بمختلف المنظمات غير الربحية. وتبعاً لأحد التقارير، ينظر المستهلكون -بشكلٍ عام- إلى الشركات الساعية للمشاركة في الأنشطة الخيرية على أنها أكثر جدارةً بثقتهم.

ويُذكر أنه يمكنكم مطالبة المستهلكين بتقديم تبرعاتٍ صغيرة عند قيامهم بالشراء، وبالرغم من أنها ليست فكرةً جديدةً على الإطلاق، لكنّ مردودها قد يكون مؤثراً.

وتجدر الإشارة إلى أن شركاتٍ مثل TOMS Shoes وStarbucks تُعَد من أبرز الشركات التي تتبنى إستراتيجية التسويق الاجتماعي هذه، حيث بدأت شركة TOMS بحملةٍ إعلاميةٍ بعنوان “اشتر واحداً، وامنح آخر”، والتي تنص على أنه في كلِّ مرّة يشتري فيها المستهلكون زوجاً من الأحذية، يتم منح زوج آخرَ لإحدى الجمعيات الخيرية؛ ثمّ قامت الشركة بتطوير هذه الحملة لتمنحَ 1$ مقابلَ كلِّ 3$ ينفقها المستهلكون على شراء الأحذية الخاصّة بالشركة، وتأتي أهمية هذه الإستراتيجية التي اعتمدتها TOMS من ارتباطها المباشر بالرغبة الإنسانية في ضمان حصول الآخرين على احتياجاتهم الحياتية الأساسية.

التبرّع بنسبةٍ صغيرة من المبيعات

هناك خطوة تسويق اجتماعي ذكيةٍ أخرى، وهي التبرّع بجزء صغير من مبيعاتكم المسجّلة من منتج معيّن أو مجموعة منتجاتٍ معينةٍ (أو كافة المبيعات)، ويمكن أن يكون التبرّع ربع سنويٍّ أو سنوياً اعتماداً على الطريقة المراد استخدامها لتقسيم النسبة المئوية، وتفضّل العديد من الشركات تثبيت النسبة بين 1% إلى 3% من مبيعاتها الإجمالية.

ولعلَّ أحد الأمثلة الكلاسيكية على الشركة المستخدمة لإستراتيجية التسويق الاجتماعي هذه يتمثل في شركة مستحضرات التجميل العملاقة Ethique، والتي تتبرّع بنسبة 2% من مبيعاتها السنويّة للمساعي الخيرية مركّزةً على حماية الحياة البرية والحيوانات، إضافةً لدعمها عدداً من المؤسسات الخيرية التي يمكنكم الاطلاع عليها في صفحة التأثير الخاصة بها على موقعها الإلكترونيّ.

وما تزال Ethique تواصل توسيع حملتها التسويقيّة لمثل هذه القضايا النبيلة، لتشمل مساعيها الاجتماعية 270 منظمة، حيث تتفهم Ethique القضايا المرتبطة بالحفاظ على الحياة البرية في بيئتها الطبيعية، ويساعدها استخدام هذه الإستراتيجية على التواصل بشكلٍ أفضل مع عملائها المهتمين بهذه المناحي الاجتماعية.

فرض حد أدنى لقيمة الطلب من أجل التبرع

تتمثل الإستراتيجية الأخرى في التبرّع للمنظمات غير الربحية فقط عندما تصل قيمة الطلب إلى مبلغ محدّد مسبقاً، وتمكّن هذه الطريقة المستهلكين من المساهمة في المساعي الخيريّة التي يفضلونها بمجرد إنفاق مبلغ معيّنٍ من المال على الموقع الإلكتروني للشركة.

فمثلاً، تبرّعت شركة H&M بأموالٍ للعاملين في الخطوط الأمامية مثل الأطباء خلال جائحة كوفيد-19، وتمّ تشجيع المستهلكين على التبرّع بمبلغ 10$ لدعم جهود الجمعيات الخيرية عند إنفاقهم ما لا يقلّ عن 60$ عبرَ موقعها الالكتروني، حيث تُشرِك مثل هذه الإستراتيجية المستهلكين بشكلٍ مباشرٍ وتمكّنهم من التأثير بشكلٍ إيجابيٍّ في القضايا الاجتماعية محلِّ اهتمامهم، مع تحفيزهم -بذات الوقت- على إنفاق المزيد من الأموال على الموقع.

آخر الصيحات في التسويق الاجتماعي

مع استمرار تقدم المشهد الرقميّ، تتغير الإستراتيجيات والتقنيات في التسويق الاجتماعي بسرعةٍ كبيرة أيضاً، لذا دعونا نغوص في آخر صيحات مجال التسويق الاجتماعي وكيف يمكن للشركات تسخيرها لصالحها.

نموّ الطلب الاستهلاكي على المبادرات المرتبطة بالقضايا الاجتماعية

خلال الأعوام الأخيرة، تزايدت مطالبة الشركات بالتوافق مع المساعي الاجتماعية والبيئية، حيث يمتلك المستهلكون في العصر الحديث -وخاصّةً جيل الألفية وتابعه زد- وعياً اجتماعياً متزايداً، ويبحثون عن العلامات التجارية التي تُظهر التزاماً حقيقياً بإحداثِ تأثيراتٍ إيجابية، وعليه فقد تحوّل التسويق الاجتماعي من مجرّد خيارٍ إلى ضرورة إستراتيجيةٍ، ويأتي هذا في إطار سعي العلامات التجارية الناشطة في المبادرات المرتبطة بالقضايا الاجتماعية للمساهمة بتحسين الرفاهية المجتمعيّة وإنشاء علاقاتٍ أكثرَ عمقاً مع جمهورها، وكشفت دراسةٌ استقصائيةٌ أجرتها Cone Communications عام 2019 أن 79% من المشاركين عبّروا عن شعورٍ أكبرَ بالولاء تجاه العلامات التجارية المتبنّية لقضيةٍ معينةٍ ما.

وللاستفادة من هذه الصيحة، يتوجّب على الشركات اختيار القضايا المتوافقة مع قيمها، ودمجها بسلاسةٍ في علامتها التجارية، وتوخّي الشفافية في جهودها المبذولة.

ومن الأمثلة على ذلك إعلان Nike لعام 2018 بعنوان “احلم بجنون”، والذي ظهرَ فيه لاعب الوسط السابق في اتحاد كرة القدم الأميركي كولين كايبرنيك، وتمحورت الحملة حول متابعة الإنسان لأحلامه رغم العوائق والعقبات الاجتماعية، لينتجَ عن هذه الحملة تغطياتٌ إعلاميةٌ تقدر بملايين الدولارات، وبالتحديد 163 مليون دولار، ما أضاف مبلغاً مذهلاً قدره 6 مليارات دولار لقيمة العلامة التجارية السوقية التي شهدت زيادةً ملحوظةً في المبيعات بنسبة 31%.

الشراكات والتعاون

أصبح التعاون بمثابة حجر الزاوية لإستراتيجيات التسويق الفعّالة في عالمنا الحديث الذي أصبح مترابطاً، وقد تؤدي الشراكة مع المؤثرين أو العلامات التجارية الأخرى أو المنظمات غير الربحية إلى توسيع نطاق العلامة التجارية ومصداقيتها بشكلٍ كبير؛ لذا يجب على الشركات البحث عن شركاءَ يتمتعون بقيم وأهدافٍ متوافقةٍ مع رؤى علامتهم التجارية لضمان التعاون الحقيقيّ والمؤثر دون تكبد تكاليفَ باهظةٍ لإنشاء إستراتيجية تسويقٍ كاملة.

فعلى سبيل المثال، دخلت شركة Microsoft عام 2020 في شراكةٍ مع منظمة Code.org غير الربحية بهدف إنشاء منصّةٍ تعليميةٍ لمساعدة الطلاب على تعلم علوم الحاسوب وإتاحة الوصول إلى الفرص المهنية.

مثالٌ آخر، هو التعاون بين الصندوق العالميّ للحياة البرية (WWF) وشركة LEGO، والذي اتّسمَ بهدفٍ محدّد يتمثل بالتعامل مع مورّدي شركة LEGO Group حول العالم للتقليل من انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراريّ بمقدار 10,000 طن، أي ما يعادل إزالة أكثرَ من 2,000 سيارة من الطرق.

علاوةً على ذلك، يمكن للتعاون أن يُدخل إبداعاً جديداً إلى جهود التسويق، فمن خلال الجمع بين الخبرات والموارد، يمكن للعلامات التجارية إنشاء حملاتٍ فريدة لا تُنسى لتحتلَّ واجهة الفضاء الرقميّ المُزدحم.

التركيز على المصداقية والشفافية

في عصرٍ ترتفع فيه الشكوك حول المزاعم التسويقية، أصبحت الأصالة والشفافية غير قابلةٍ للتفاوض، فقد غدا المستهلكون أكثرَ مهارةً من أيِّ وقتٍ مضى في التمييز بين الجهود الحقيقية والتلويح بأنشطةٍ زائفةٍ، ما دفع العلامات التجارية إلى تبنّي نهج أكثرَ إنسانية، ومشاركة نجاحاتها وتحدياتها ورحلات نموّها.

فتبعاً لدراسةٍ أجرتها Label Insight، أعرب 94% من المشاركين في الاستطلاع عن ميلهم لإظهار الولاء للعلامة التجارية عندما توضّح التزاماتها الاجتماعية والبيئية.

يُذكر أن المصداقية في التسويق الاجتماعي تعني أن تكون العلامة التجارية متمتعةً بالمصداقية والموثوقية، وبقدر ما يبدو الأمر بسيطاً وواضحاً، فمن المهمّ ملاحظة أن أسهل طريقةٍ لتبدو صادقاً هي أن تكون صادقاً بالفعل، حيث يؤدي التواصل الشفاف بما يتعلق بمصادر المنتجات وعمليات التصنيع والممارسات التجارية إلى تعزيز عوامل الثقة والمصداقية.

وهكذا نجد أن شركة Patagonia كانت قد تبرّعت بنسبة 100% من مبيعات “الجمعة السوداء” لدعم قضايا بيئيةٍ عام 2016، ما أدى لاكتسابها مزيداً من العملاء إضافةً لثناء المجموعات البيئية على مدى مصداقيتها والتزامها بقيمها؛ كما قدّمت Buffer عرضاً يصف ثقافة الشركة، وشاركت جدولَ بياناتٍ يكشف للعلن عن تعويضات كلِّ موظفٍ بما في ذلك فريقها الإداريّ.

دمج أحدث التقنيات وأهمية وسائل التواصل الاجتماعي

يُعَد دمج التطوّرات التكنولوجية في التسويق الاجتماعي صيحةً مستمرّةً ودائمة التطور تعمل على إعادة تعريف كيفية تفاعل الشركات صاحبة العلامات التجارية مع جمهورها، حيث أصبحت الشركات أكثر استخداماً للمنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي بغرض تعزيز وصول حملاتها المتعلقة بأنشطتها ومساعيها الاجتماعية، بدءاً من روبوتات الدردشة المعتمدة على تقنية الذكاء الاصطناعيّ والتي توفر دعماً فورياً للمستهلكين، وصولاً إلى تحليلات البيانات التي توفر لمختلف العلامات التجارية رؤى مفصّلةً حول سلوك عملائها وتفضيلاتهم.

ويُشار إلى استطلاع أجرته شركة ماستركارد كشفَ عن زيادة الوعي بنسبة 30% بما يتعلق بالمخاوف البيئية والتغيّرات المناخية منذ بداية جائحة كوفيد-19، وتُعزى نتيجة الاستطلاع -إلى حدٍّ كبير- لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، ما يسلط الضوء على أهمية المنصات الرقمية في تعزيز الوعي والتشجيع على اتخاذ التدابير الوقائية. وتُعَد مبادرة “كوكبٌ واحدٌ” التي أطلقتها شركة “دانون” مثالاً آخرَ على هذه الصيحة التي تنطوي على استخدام التكنولوجيا للخروج بحلولٍ ذكيةٍ للتحديات الزراعية، والتي تتضمن تحليل البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعيّ إضافةً لأحدث التقنيات الزراعية الدقيقة من أجل تعزيز كفاءة الموارد والحدّ من الأضرار البيئية.

إشراك الموظفين وتفاعلهم

يُعتبر الموظفون بمثابة سفراء العلامة التجارية المجهولين، لذا تسعى العديد من العلامات التجارية لاستغلال قوة دعم الموظفين، فعندما يشعر الموظفون بتوافقهم مع مساعي العلامة التجارية، فمن الطبيعي أن يصبحوا داعمين لها.

وكمثالٍ على ذلك، تدير منظمة جوجل (Google.org) -القسم الخيريّ لشركة جوجل- برنامجاً لمكافأة موظفيها على العمل التطوعي مع المنظمات غير الربحية لمدّة تصل إلى ستة أشهر. وبالمثل، تدير نظيرتها مايكروسوفت برنامج عطايا يقدم مكافأة بقيمة 25$ عن كلِّ ساعةٍ يقضيها الموظف في عملٍ تطوّعي ليتم منحها إلى منظمةٍ غير ربحيةٍ من اختياره.

جديرٌ بالذكر أن توجّه تشجيع الموظفين على مشاركة تجاربهم ومشاعرهم ورؤاهم الشخصية عبرَ مختلف وسائل التواصل الاجتماعي يمكنه منح العلامة التجارية طابعاً إنسانياً ويكسوها بالأصالة والمصداقية، فتبعاً لاستطلاع أجرته شركة Porter Novelli يُرجَّح بقاء 89% من الموظفين مخلصين للشركات الداعمة للقضايا والمساعي الاجتماعية، إضافةً لميل 92% من المشاركين أكثرَ لاقتراح العمل لدى هذه الشركات على آخرين.

أمثلة على فعالية التسويق المجتمعي والاجتماعي

سنقدم فيما يلي ثلاثة أمثلة متعلقةٍ بفعالية التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي:

تحدي دلو الثلج لدعم مرضى التصلب الجانبي الضموري (ALS): زيادة الوعي من خلال المحتوى المُنشأ بواسطة المستخدمين

ربّما يكون تحدي دلو الثلج لدعم مرضى التصلب الجانبي الضموري (ALS) الذي اجتاح العالم صيف عام 2014، أحد أنجح حملات التسويق المجتمعي التي تم تنفيذها على الإطلاق؛ ويُعَد مثالاً رائعاً على الإمكانات الهائلة للمحتوى الذي ينشئه المستخدمون للخروج بحملة تسويق مجتمعي سريعة الرواج.

وبدأت هذه الحركة من قبل ثلاثة أفراد يكافحون مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) -أنتوني سينيرشيا، بيت فراتس، وبات كوين- حين ألهموا الناس في كافة أرجاء العالم لتصوير أنفسهم عند غمر أجسادهم بالمياه المثلجة والتبرّع لمؤسسةٍ خيريةٍ لدعم مرضى التصلب الجانبي الضموري، ثمّ القيام بتحدّي بعض أصدقائهم لتنفيذ تحدّيهم هذا ثانيةً.

تحدي دلو الثلج لدعم مرضى التصلب الجانبي الضموري (ALS)

يُشار إلى أن الهدف الأساسيّ للحملة كان رفع مستوى الوعي حول مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) وتشجيع التبرّعات للأغراض البحثية. ورغم بساطتها، تمتعت الإستراتيجية بجاذبيةٍ عاليةٍ، حيث يقوم المشاركون بتصوير أنفسهم وهم يُغمرون بالماء المثلج، ثم يشاركون الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي مرشّحين أصدقاءهم لتنفيذ التحدّي مجدّداً في غضون 24 ساعة.

وبشكلٍ فعال، نجح هذا التحدي في استخدام قوة اللعب والمشاركة الاجتماعية والعاطفية، حيث لامست ميزة الترشيح رغبة الأفراد بأن يكونوا جزءاً من الاتجاه الرائج مع إظهار دعمهم لقضيةٍ ما. ومع انضمام المشاهير والسياسيين والأشخاص العاديين، انطلق التحدي كالريح العاتية عبر منصّات فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، ويوتيوب.

وفي دلالةٍ على مدى نجاح الحملة، تمت مشاركة أكثرَ من 17 مليون مقطع فيديو وجمع أكثر من 135 مليون دولار، ليتم تخصيص 4 ملايين دولار منها لمعهد تطوير علاج التصلب الجانبي الضموري (ALS TDI) خلال فترة لا تتعدى ثمانية أسابيع. وقد ألقى تحدّي دلو الثلج لدعم مرضى التصلب الجانبي الضموري (ALS) مزيداً من الضوء على إمكانية توظيف العلاقات الاجتماعية لإحداث تغييراتٍ مجتمعيةٍ، مؤكداً على مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تمكين الحملات من أن تصبحَ ظاهرةً عالميةً عبر الرَّوَاج السريع.

حملة Nike “احلم بجنون”: تطبيقٌ عمليٌّ لإستراتيجية التسويق الاجتماعي

تعتبر حملة Nike “احلم بجنون” التي ظهرَ بها لاعب الوسط السابق في اتحاد كرة القدم الأميركي “كولن كايبرنيك” مثالاً قوياً على التسويق الاجتماعي بهدف مواءمة الشركة مع الحراك المجتمعيّ.

يُشار إلى أن الحملة تم إطلاقها عام 2018 وهي تركّز على تحقيق الفرد لأحلامه رغم العوائق والتحديات الاجتماعية. وكان كايبرنيك -المعروف باحتجاجه على الظلم العنصريّ بالركوع أثناء النشيد الوطني- وَجه الحملة، حيث عبّرت شركة نايكي من خلاله -بمنتهى الجرأة- عن التزامها بالعدالة والمساواة الاجتماعية عبر إظهار كايبرنيك، صاحب الشخصية المثيرة للجدل حينها.

يُذكر أن إعلان الفيديو الخاص بالحملة نجحَ بحصد ملايين المشاهدات مثيراً النقاشات عبرَ مختلف المنصّات. وعلى الرغم من مواجهة الحملة لردّ فعلٍ عنيفٍ من بعض الجهات، إلا أنها لاقت صدى كبيراً لدى الداعمين لقضية كايبرنيك، لتحصدَ شركة نايكي -عبرَ حملتها هذه- ظهوراً إعلامياً بقيمة 163 مليون دولار، مضيفةً 6 مليارات دولار أخرى إلى قيمتها السوقية إثرَ ازدياد مبيعاتها بنسبة 31%، ما يدل على أن التصريحَ بموقفٍ حازم يخص قضيةً اجتماعيةً قد يكون مسعى أخلاقياً من ناحيةٍ، ومجزياً مالياً أيضاً.

وبينما يؤكد نجاح حملة “احلم بجنون” على أهمية المصداقية والتوافق مع القضايا الاجتماعية الهادفة، فإن العلامات التجارية التي تهتم بصدقٍ بقيم واهتمامات جمهورها يمكنها خلق تأثيرٍ مستدامٍ فعلاً. ويجدر بالشركات توخّي الحذر والتأكد من دعمها الحقيقي لقضيةٍ ما كي تحظى بقبولٍ جيد من قبل جمهورها المستهدف.

حملة “العمل من أجل المحيط” لحوض أسماك خليج مونتيري: إحداث استدامةٍ بيئيةٍ عبر التسويق المجتمعي

تُعد حملة “العمل من أجل المحيط” التي أطلقها المتحف السمكيّ لحوض أسماك خليج مونتيري مثالاً رائعاً على استخدام التسويق المجتمعي من أجل تشجيع السلوكيات الهادفة لتحقيق الاستدامة البيئية والحفاظ عليها، حيث تم إطلاق الحملة لمعالجة التلوث الناتج عن المخلفات البلاستيكية في المحيطات باستخدام إستراتيجيةٍ متعدّدة الأوجه للتشجيع على تقليل استهلاك للمواد البلاستيكية والاتجاه إلى خياراتٍ ذات استدامةٍ بيئيةٍ، لتقوم الحملة باستخدام الرسومات الجذابة ومقاطع الفيديو الإعلامية ودعوة مشاركة المنشورات النصيّة عبرَ وسائل التواصل الاجتماعي لتثقيف الجمهور عن الآثار المدمّرة للمخلفات البلاستيكية على الحياة البحرية.

حملة "العمل من أجل المحيط" لحوض أسماك خليج مونتيري

وفي هذا الصدد، تبنت الحملة وسوماً (هاشتاغاتٍ) مثل BreakFreeFromPlastic# (ابتعدوا عن البلاستيك) للحصول على دعم مجتمعيٍّ عالميٍّ لقضيتهم، كما شاركت أيضاً نصائحَ عمليةً للحدّ من استخدام المواد البلاستيكية لتشجيع المشاركين على الالتزام بالحدّ من استخدامها.

ونجمت عن الحملة تأثيراتٌ هائلةٌ، لينجحَ على إثرها حوض أسماك خليج مونتيري بحشد دعم جمهورٍ امتدَّ ليشمل مجتمعاتٍ محليةً وداعمين عالميين ممّن يتشاركون الاهتمام بالمحيطات، ولتنجح الحملة برفع مستوى الوعي بخطورة الملوثات البلاستيكية وتمكين الأفراد من اتخاذ إجراءاتٍ ملموسةٍ مثل استخدام الأكياس الورقية والعبوات الزجاجية ومنتجات التعبئة التي يمكن إعادة تدويرها. وعلى إثر هذه الحملة، قامَ حوض أسماك خليج مونتيري بدورٍ جوهريٍّ في الخروج بقانونٍ جديد في كاليفورنيا عام 2022 وإقراره؛ وينصّ القانون على الحدّ من استخدام المنتجات البلاستيكية وعلب المواد الغذائية ذات الاستخدام الواحد وجعلها في أضيق الحدود. ونظراً لأنّه الأول من نوعه فقد مثّلَ هذا القانون علامةً بارزةً في مجاله، ويهدف القانون كذلك لمساعدة المجتمعات المتضرّرة بشكلٍ أكبرَ من التلوث البيئيّ الناتج عن المواد البلاستيكية عبرَ تخصيص مواردَ ماليةٍ للتخفيف من حدّة آثاره.

علاوةً على ذلك، اتخذ الحوض تدابيرَ استباقيةً من خلال حث حكومة الولاية على تقييد استخدام المواد البلاستيكية غير القابلة لإعادة الاستخدام في الأراضي العامة، ووصل في مساعيه إلى تأييد القوانين التنظيميّة الوطنية التي شجّعت على اعتماد أنظمةٍ قابلةٍ لإعادة الاستخدام وإعادة التعبئة، كما بدأ الحوض في الخروج بمبادراتٍ للتعامل مع العواقب الصحيّة الخطيرة المتعلقة بإنتاج المواد البلاستيكية والتخلص منها.

كيفيّة الشروع في تنفيذ التسويق الاجتماعي

نقدم في هذا القسم خطةً من خطواتٍ ستٍّ لإنشاء وتنفيذ إستراتيجيات التسويق الاجتماعي من أجل زيادة الوعي بالعلامة التجارية والتفاعل معها.

الخطوة الأولى: تحديد الأهداف التسويقية

تُعَد أولى خطوات تنفيذ إستراتيجية تسويق اجتماعي ناجحةٍ هي تحديد أهدافٍ وغاياتٍ واضحةٍ وموجزة ومفهومةٍ لكلِّ من يهمّه الأمر؛ فبدون تحديد هذه الأهداف لا توجد طريقةٌ لقياس النجاح أو العائد الاستثماريّ لحملة التسويق الاجتماعي؛ ولكنّ كافة أهداف التسويق الاجتماعي يجب أن تتضمّن خمسَ سِمات: أن تكون محدّدةً وقابلةً للقياس ويمكن تحقيقها وذات صِلةٍ وفي إطارٍ زمنيٍّ محدّد. وعلى سبيل المثال، يجب على شركة التجارة الإلكترونية البائعة لمنتجات الديكور المنزليّ وضع أهدافٍ واضحةٍ قبل البدء بالتسويق الاجتماعي، وتتضمّن الأهداف النتيجة المراد تحقيقها وزيادة الوعي بالعلامة التجارية والتفاعل معها ومعدلات تحويل الزوار إلى عملاء.

الخطوة الثانية: تحديد مسعى اجتماعيّ هام

تتمثل الخطوة التالية في تحديد القضية المتوافقة مع قيم الشركة وأهدافها، فغالباً ما تعاني المجتمعات من قضايا اجتماعيةٍ متنوعةٍ مثل الاختلاف والاندماج والاستدامة البيئية.

وقبل اختيار إحداها، يتوجّب عليكم البحث عن القضايا الشائعة المتعلقة بما تؤمنون به، الأمر الذي يضيف المزيد من الإلهام والمغزى لكافة المشاركين. فمثلاً، تعمل شركة مايكروسوفت مع المنظمات غير الربحية التي تستخدم التكنولوجيا لإحداث تأثيرٍ مستدامٍ عالمياً.

كما يتوجّب عليكم التأكد من التوافق مع المؤسّسة الخيرية فيما يتعلق بكيفية توزيع الأموال وتنفيذ الإستراتيجيات، الأمر الذي يُعَد ضرورياً لاستمرار الشراكة لأجلٍ طويلٍ وإحداثِ تغييرٍ مُستدامٍ بدلاً من السعي للحصول على شهرة مؤقتة.

الخطوة الثالثة: الدخول في شراكةٍ مع منظماتٍ غير ربحيّة

بعد اختياركم للقضية المجتمعيّة، تتمثل الخطوة التالية بعقد شراكةٍ مع منظماتٍ غير ربحيةٍ تعمل بنشاط على حلّ المشكلة (القضية) الاجتماعية المختارة، فبالرغم من إمكانية العمل على حلّ المشكلة بأنفسكم، إلا أن الشراكة مع مؤسسةٍ غير ربحيةٍ عادةً ما تكون أسهلَ وأرخص وأكثرَ فاعلية.

وعند اختياركم لإحداها، تأكدوا من اعتناقها لذات القيم التي تؤمنون بها، وأنه يمكنها بالفعل إحداث تغييرٍ إيجابيٍّ عالميٍّ بمساعدتكم، كما عليكم الانتباه إلى سمعتها وتاريخها للتأكد من توظيف التبرّعات بفعاليةٍ وكفاءة.

كذلك يجدر الالتفات إلى اختيار منظمةٍ غير ربحيةٍ ذات سمعةٍ طيبةٍ وحاصلةٍ على تقييماتٍ إيجابيةٍ في مواقع المقارنات مثل Give.org وCharity Navigator، وفي حال الرغبة بعقد شراكةٍ مع جمعياتٍ خيريةٍ محليةٍ جديدة، فعليكم دراسة تفاصيلها المالية ومجلس إدارتها إلى جانب نجاحاتها السابقة من أجل ضمان التعاقد مع المنظمات غير الربحية المتّسمة بالمصداقية والشفافية في تعاملاتها، وإلا فإنّ إستراتيجيتكم قد تؤدي إلى نتائجَ عكسية.

الخطوة الرابعة: إنشاء إستراتيجيةٍ وقناة تواصل

يسهل -عادةً- إعداد إستراتيجيةٍ شاملة التنفيذ وتحقق الهدف المرجوّ منها بشكلٍ كبير، وينطبق هذا على التسويق الاجتماعي أيضاً، حيث يجب أن تكون الإستراتيجية المستخدمة شفّافةً ومفصّلةً ومتوافقةً مع الموارد المستخدمة في تنفيذ المشروع.

بالإضافة إلى ذلك، من الضروريّ الحفاظ على خط اتصالٍ واضح بين الشريك التسويقيّ الاجتماعيّ والمستهلكين، مع الحرص على إبقاء العملاء على اطلاع دائم عبر قنوات اتصالٍ مختلفةٍ من خلال تزويدهم المنتظم بالمستجدات حول أعمالكم الخيرية المشتركة وأثرها على المنفعة العامة.

وتشمل هذه القنوات وسائل التواصل الاجتماعي، والبيانات الصحفية، والبرامج التعليميّة، والفعاليات التوعوية الاجتماعية، وغيرها، وتختلف قناة الاتصال المناسبة وفقاً للجمهور المستهدف، ويتوجّب عليكم استخدام القناة التي يعرفها هذا الجمهور.

الخطوة الخامسة: التعاون والتفاعل مع المستهلكين

من الأهمية بمكان التركيز على إبقاء العملاء والمستفيدين والموظفين في طليعة إستراتيجية التسويق، لذا يتوجب عليكم اطلاعهم بانتظام على آخر التطوّرات والأهداف المحققة وإعلامهم بالأعمال الخيرية المنجزة؛ ولكن قد لا يكون هذا كافياً، إذ يجب جذب انتباههم وإلهامهم لدعم القضية المختارة من خلال مشاركة محتوى محفّزٍ للتفكير وبدء مناقشاتٍ حول العمل الخيريّ الاجتماعيّ، ومحاولة إشراكهم بشكلٍ عام قدَرَ الإمكان، حيث أكدت دراسة أجرتها Gallup على أهمية الإشراك الناجح للمستهلكين، وكشفت عن قدرتهم على المساهمة في زيادة الربح والإيرادات والنموّ بنسبةٍ تصل إلى 23%، حيث تعمل المشاركة المستدامة للمستهلكين على بناء روابط عاطفيةٍ عميقةٍ وتشجّع المستهلكين على المشاركة في حملات التسويق الاجتماعي.

الخطوة السادسة: تقييم فعالية الحملة وقياسها

بعد تنفيذ الخطوات المذكورة أعلاه، يجب مراقبة وقياس وتقييم تأثير مبادرات التسويق الاجتماعي التي اتخذتموها من خلال استخدام المقاييس الرئيسيّة، مثل مدى الوصول والتفاعل والتبرّعات والتغيرات في سلوك الجمهور، إذ تمكّنكم هذه المقاييس من قياس جودة أداء حملة التسويق الاجتماعي والقيام بالتعديلات اللازمة عند الحاجة، كما يضمن القياس والتقييم توافق حملات التسويق الاجتماعي مع أهداف الشركة ووصولها إلى الجمهور المستهدف، إضافةً لتقديم نتائجَ اجتماعيةٍ مستدامةٍ، مع ضمان الشفافية للمستهلكين وبناء الثقة والولاء.

هل يُعَد التسويق الاجتماعي ضرورياً لجهودكم التسويقية؟

أصبح التسويق الاجتماعي الآن ضرورياً تقريباً لجميع أنواع الشركات، إذ يزيد من جذب العملاء إليها، فالمتسوّقون من الجيل زد يتغير انطباعهم عن العلامة التجارية تلقائياً عند ارتباطها بالعمل الخيريّ الاجتماعي.

يُذكر أن التوافق مع القضايا الاجتماعية المهمّة للمستهلكين يوفر إمكانية بناء علاقاتٍ أفضل معهم، بالإضافة لزيادة قيمة وشهرة علامتكم التجارية. كما يمكنكم الاستفادة من الطلب الكبير على الشركات ذات الأهداف الاجتماعية من خلال اتخاذ موقفٍ بشأن القضايا الاجتماعية دون الاضطرار لزيادة المصاريف العامة؛ فعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجية قد أثبتت فعاليتها، إلا أنه يجب توخّي الحذر عند تنفيذها كي لا تظهرَ الشركة بشكلٍ استغلاليٍّ يستفيد من القضايا الاجتماعية لمجرّد شراء حسن النية، وإلا فقد تأتي هذه الإستراتيجيات بنتائجَ عكسية؛ لذا يتوجب اختيار قضيةٍ اجتماعيةٍ تؤمنون بها (لسهولة إثبات مصداقيتكم) والتي تتوافق مع قيم شركتكم وتُعَد بغاية الأهمية لعملائكم.

المصادر