تعد استراتيجية الشركة ركيزةً أساسيةً لازدهارها داخل الأسواق التنافسية، حيث تشير إلى خطة العمل طويلة الأجل التي تسعى الشركة من خلالها لتحقيق أهدافٍ محدّدة وتعزيز مكانتها، كما تهدف لتحقيق الاستفادة القصوى من القدرات الأساسيّة وتخصيص الموارد بكفاءة وتوجيه القرارات الإدارية. وعلى مدى أكثرَ من نصف قرن، درس العلماء الكثيرَ من النظريات والأطر للتخطيط الاستراتيجيّ والإدارة.
وفي هذه المقالة، سنستعرض معاً المفاهيم والمكوّنات الرئيسيّة التي تمكّن المؤسسات والشركات من صياغة وتنفيذ استراتيجيةٍ ناجحةٍ داخل قطاع الأعمال سريع التطوّرات في القرن الحادي والعشرين.
ما هي استراتيجية الشركة؟
تشير استراتيجية الشركة إلى خطةٍ طويلة المدى مدروسةٍ ومصمّمةٍ بعنايةٍ لمساعدة الشركة في الحصول على ميزة تنافسيةٍ وتحقيق رؤيتها المستقبلية، كما يُعدّ الغرض منها تحديد أهدافٍ ومبادئ واضحةً لتحسين أداء الشركة على المستوى الماليّ والتشغيلي.
من جانبهم، خرجَ عددٌ من روّاد الأعمال مثل: ألفريد تشاندلر (Alfred Chandler) وإيجور أنسوف (Igor Ansoff) ومايكل بورتر (Michael Porter) بمفاهيمَ أساسيةٍ لاستراتيجية الشركة، والشاملة لكلِّ شيءٍ بدايةً من تكتيكات النموّ ومناهج تحقيق الاستقرار وصولاً إلى نماذج إعادة الابتكار. ومن خلال تحليل بيئتها الداخلية والخارجية، تصمّم الشركات استراتيجياتٍ للاستفادة من الفرص المتاحة ومواجهة التحديات المرتقبة مستقبلاً.
لماذا تعتبر استراتيجية الشركة أمراً مهماً؟
توفر استراتيجية الشركة خارطة طريقٍ تساعد المؤسسات على فهم كيفية استغلال نقاط قوتها والتغلب على مكامن ضعفها إضافةً للاستفادة من الفرص والحدّ من التهديدات، حيث تأخذ بعين الاعتبار موقع الشركة في السوق والقطاع محلّ نشاطها لتحديد أفضل الطرق للمضيّ قدماً، كما تتضمّن تحديد مهمّة الشركة ورؤيتها وقيمها، فضلاً عن أسواقها المستهدفة والعوامل التنافسيّة التي تميّزها.
كما تركز استراتيجية الشركة على جوانب توزيع الموارد والكفاءة التشغيلية وتكاتف وحدات العمل وخلق قيمةٍ للمساهمين فيها. ومن خلال اتباع نهج رفيع المستوى، تعمل هذه الاستراتيجية على تعظيم القيمة الشاملة للشركة أو المشروع التجاري، فتحدّد الأسلوبَ والاتجاه العام لاستراتيجياتٍ وظيفيةٍ أكثرَ تحديداً وتتعلق بمناحي التسويق والتشغيل والتمويل والموارد البشرية وغيرها.
وعلى الرغم من تركيز استراتيجيات الأعمال التجارية على وَحَداتها كلاً على حدة، إلا أن الاستراتيجية العامة للشركة تتبنى رؤيةً شاملةً للمؤسسة ككلّ، كما تعبّر الاستراتيجية الفعّالة للشركة عن المكانة التي تسعى الشركة للوصول إليها وكيفية بلوغها؛ وفيما يلي ملخّصٌ لسبعة أسباب رئيسيةٍ توضّح مدى أهمية إنشاء استراتيجيةٍ عامّةٍ للشركة وتنفيذها:
- المساعدة في خلق أجواء تنافسية: من خلال استراتيجية الشركة، يمكن للمؤسسات إيجاد طريقٍ لتمييز نفسها عن منافسيها، ويشمل هذا النهج التركيز على مميّزات منتجاتها، والاستثمار في خدمة العملاء، وبناء الشراكات التجارية، وزيادة الوعي بعلامتها التجارية، فضلاً عن إعداد نظم التسعير المثلى.
- المساعدة في التعرّف على الفرص الجديدة: يمكن للشركات أن تتوقع وتستفيد من التغيّرات المرتقبة في السوق والتي قد تؤثر على أعمالها وأدائها المستقبليّ من خلال تحليل الحالة العامة للقطاع الذي تنشط فيه والاقتصاد الكليّ، ويشمل ذلك تطوّرات المشهد السياسي والاقتصادي والتكنولوجي، إضافةً إلى تفضيلات العملاء، كما تهدف استراتيجية الشركة إلى تمكينها من الاستفادة من الفرص الموجودة حالياً والاستعداد للتحديات المحتملة.
- اتساق جهود الشركة مع رؤيتها: تساعد الاستراتيجية الفعالة للشركة على اتساق أهدافها التنظيمية مع أهدافها طويلة الأجل، ما يغذّي لدى الموظفين شعوراً بوجود هدفٍ محدّد وتوجّهٍ عام موحّد للشركة، على أن تكون رؤية الشركة ملهمةً ومستقبليةً وفريدة.
- الخروج بتعريفٍ أفضلَ لمفهوم النجاح: توفر الاستراتيجية العامة للشركة معياراً واضحاً لتقييم مدى نجاحها.
- تحسين آليات توزيع الموارد: بفضل استراتيجية الشركة، يصبح تحديد أولويات الموارد أسهل، حيث يمكن لصنّاع القرار تحديد المجالات والجهود التي يمكنها المساهمة بأكبر قدرٍ ممكنٍ في تحقيق أهداف الشركة على المدى القصير والطويل.
- المساعدة في تحسين نماذج الأعمال: يساعد التخطيط الاستراتيجي على إعادة تقييم العملاء المستهدفين والقنوات البيعيّة والأنشطة التشغيلية للحفاظ على اتساق نموذج أعمال الشركة مع أهدافها.
- تشجيع الابتكار: يمكن أن تكون الاستراتيجية الواضحة عاملاً محفّزاً بشكلٍ كبير لاستغلال أكثر العقول نباهةً في الشركة للعملِ على التوصّل إلى أفضل الأفكار القابلة للتطبيق.
أنواع استراتيجية الشركة
ثمّة أربعة أنواع مختلفةٍ من استراتيجيات الشركات اعتماداً على ما تحاول الشركة تحقيقه، وتندرج غالبية الاستراتيجيات تحت الفئات الأربع التي سنأتي على ذكرها أدناه؛ وسنحاول شرح ما تتألف منه وأيَّ نوع من الإجراءات التي عادةً ما تتبناها المشاريع التجارية لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.
#1 – استراتيجيات النمو
تهدف استراتيجيّات النموّ إلى توسيع أعمال الشركة عبر اقتحام أسواقٍ جديدة أو زيادة حصّتها السوقية.
المبادرات:
- تطوير السوق: التوسّع لشمول أسواقٍ جغرافيةٍ أو شرائحَ سوقيةٍ جديدة (مثال: التوسّع الدوليّ لشركة نتفليكس).
- تطوير المنتج: إطلاق منتجاتٍ أو خدماتٍ جديدة (مثال: اتجاه شركة أمازون نحوَ خدمات الحوسبة السحابية).
- التنويع: التوسّع لاقتحام قطاعاتٍ جديدة عبرَ الاستحواذ على شركاتٍ جديدة (مثال: الحقيبة الاستثماريّة المتنوّعة لمجموعة “فيرجن”).
- التكامل: النموّ عبر الاستحواذ على شركاتٍ منافسةٍ في ذات القطاع الذي تنشط فيه (مثال: استحواذ شركة ديزني على نظيراتها “مارفل ولوكاس فيلم”).
#2 – استراتيجيات الاستقرار
تركز استراتيجيات الاستقرار على حفظ أنشطة الشركة الحالية دون إحداث تغييرٍ جوهريٍّ فيها.
المبادرات:
- اختراق السوق: السعي إلى زيادة الحصّة السوقية لمنتجات الشركة أو خدماتها في أسواقها الحالية (مثال: هيمنة شركة كوكاكولا المستمرّة على قطاع أعمالها).
- التزام النهج الحالي: الاستمرار في الأنشطة الحالية للشركة دون إجراء تحولاتٍ كبيرة (مثال: التزام شركة “يو بي إس” بنموذج عملها الأساسيّ لتوصيل الطرود).
#3 – استراتيجيات الانكماش
تهدف استراتيجيات الانكماش إلى تحسين الكفاءة أو الرِبحيّةِ عبرَ التخلي عن الوحدات أو الأنشطة التي لا تساهم إيجابياً في الأداء الماليّ العام للشركة.
المبادرات:
- التحوّل: إحداث تغييراتٍ كبيرة لمواجهة حالات التراجع الاقتصادي والعودة إلى مرحلة تحقيق الأرباح (مثال: التحوّل التاريخي لشركة IBM تحت قيادة “لو جيرستنر”).
- فصل أنشطةٍ استثمارية: بيع وحدات الأعمال أو خطوط الإنتاج (مثال: قيام شركة eBay بفصلٍ شركة باي بال إلى شركةٍ قائمةٍ بذاتها).
- التصفية: إغلاق الأقسام غير الربحية للشركة أو الشركة بأكملها (مثال: تصفية شركة “بلوكباستر” بسبب استحداث أنشطة بث الفيديوهات عبر الإنترنت ورَوَاجها).
#4 – استراتيجيات إعادة الابتكار
تهدف استراتيجيات إعادة الابتكار إلى إدخال تحوّلٍ جوهريٍّ في نموذج أعمال الشركة عبر تبني ابتكاراتٍ جديدة واعتماد تقنياتٍ أحدث.
المبادرات:
- ابتكار نموذج أعمالٍ جديد: إعادة تصميم كيفية إنشاء وتقديم واستغلال الفرص المتاحة من قبل الشركة بشكلٍ جذريّ (مثال: تطبيق مشاركة رحلات المركبات التي توفّرها شركة “أوبر”).
- الابتكار المغيّر لوجه القطاع: إطلاق منتجاتٍ أو خدماتٍ مبتكرة وثوريةٍ لمنافسة الشركات الرائدة والراسخة (مثال: إحداث هاتف “آي فون” لثورة في صناعة الهواتف المحمولة).
- التحوّل الرقمي: تطوير القدرات الرقمية لدعم إعادة الابتكار الداخليّ للشركة (مثال: تحوّل شركة “نتفليكس” من تأجير الأقراص المدمجة إلى أنشطة البث الإلكترونيّ للفيديوهات).
المكونات الرئيسية لنجاح استراتيجية الشركة
هناك عناصرُ معينةٌ يجب أن تتضمّنها استراتيجية الشركة للتأكد من تصوّرها بشكلٍ صحيح وإمكانية تنفيذها بنجاحٍ داخل المؤسسة. وفي الجزء التالي من هذه المقالة، سنوضّح لكم المكوّنات السبعة التي تجعل من استراتيجية الشركة مترابطةً وفعالةً ويمكن استيعابها بسهولةٍ من قبل موظفيها ومساهميها.
#1 – رسالة الشركة ورؤيتها
تعد الرؤية والرسالة الواضحة من أهم أسس استراتيجية الشركة الناجحة، حيث تحدد الرؤية ما تطمح الشركة إليه في المستقبل البعيد، وترسم صورةً للمكانة التي تستهدف الشركة بلوغَها، بينما توضّح الرسالة الغرض والسببَ وراء وجود الشركة مع تحديد الاحتياجات التي تسعى الشركة لتلبيتها.
علاوةً على ذلك، توفر كلٌّ من الرؤية والرسالة الفعالة التوجيه اللازم وتثير حماسة الموظفين، كما تساعد في تمييز الشركة عن منافسيها، وتضمن أن الجميع يعملون بغرض تحقيق أهدافٍ مشتركةٍ، كما يجب أن تعكس الرؤية والرسالة القيم الأساسيّة للشركة وثقافتها.
#2 – تحليل نقاط القوّة والضعف والفرص والتهديدات (SWOT)
يُقصد بتحليلSWOT استكشاف نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات، فبينما يتيح تحليل نقاط القوة ومكامن الضعف الداخلية للشركة استغلال مزاياها التنافسية إلى جانب إعداد ووضع خططٍ احتياطيةٍ لمعالجة نقاط ضعفها؛ وتهدف دراسة الفرص والتهديدات الخارجية لمساعدة الشركة على الاستفادة من الاتجاهات المستحدثة إلى جانب الاستعداد للتحديات التي يواجهها قطاع أعمالها والاقتصاد الكليّ، وفي حين يوفر تحليل SWOT للشركات نظرةً معمّقةً ومفصّلةً لبيئتها التنافسية، فإنه يسلط الضوء على المجالات الأكثرِ أهميةً لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.
#3 – القدرات الجوهريّة
يجب أن تحدد استراتيجية الشركة وتطوّر قدراتها الجوهرية التي يمكن أن تسمح لها بالازدهار والمتمثلة في القدرات الأساسية التي يمكنها مساعدتها على تحقيق أهدافها والعمل بشكلٍ أفضلَ مقارنةً بمنافسيها، كما تُلقي الضوء على المجالات التي تتفوّق فيها الشركة وتضيف لها قيمةً فريدة.
علاوةً على ذلك، تشمل القدرات الأساسية للشركة خبرتها التقنية، والتكنولوجيات المملوكة، وخدماتها الاستثنائية إلى جانب عوامل التميّز الأخرى، والتي تُمكن الشركة من التوسّع في أسواقٍ جديدة واستكشاف تطبيقاتٍ جديدة لمنتجاتها، كما تساعد في توجيه قرارات تخصيص الموارد لبناء الميزة التنافسية للشركة والحفاظ عليها، ويجب على الشركات الاستثمار من أجل تعزيز القدرات التي يمكنها دعم نجاحها على المدى الطويل.
#4- الأهداف الاستراتيجية
يساعد إعداد الأهداف الاستراتيجية على تحويل الرؤية العامة إلى أهدافٍ محدّدة وقابلةٍ للقياس بحيث تكون قادرةً على تحديد مدى نجاح الشركة في تنفيذ استراتيجيتها، كما أنها توضّح نهج المبادرات الرئيسية وتساعد في تحديد احتياجات الشركة لتحقيق أهدافها خلال فترة زمنيةٍ تمتد من 3 إلى 5 سنوات.
كما توجّه هذه الأهداف توزيع الموارد وتخطيط العمليات التشغيلية، ومن بين أبرز الأمثلة على هذه الأهداف الأداء الماليّ المرجوّ وزيادة الحصة السوقية وتطوير المنتجات والتوسّع الجغرافيّ، على أن تكون الأهداف الاستراتيجية محدودة العدد ومتوافقةً مع الكفاءات الأساسية، وتوفر أهدافاً واضحةً وقابلةً للقياس، وتحقق حالةً من التوازن بين الأهداف قصيرة وطويلة الأجل، كما يُمكن تتبّع الأداء مقارنةً بالأهداف الموضوعة من قِبَلِ الشركة في جوانب تقييم التقدم وإجراء التعديلات إذا اقتضى الأمر ذلك.
#5 – تخصيص الموارد
يجب أن تحدد استراتيجية الشركة كيفية توزيع مواردها المالية والبشرية والتنظيمية الأخرى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، ويجب أن تتيح الموارد للشركة بناء ميزة تنافسيةٍ وأن تتبوّأ مركزاً قياديا أو تصبحَ قوّةً عليا -على الأقل- في السوق المستهدفة.
ويعتمد تخصيص الجهد ورأس المال على قدرة المبادرة بخلق قيمةٍ حقيقية، كما يتعيّن على القادة اتخاذ قراراتٍ تتعلق بالاستثمار في منتجاتٍ جديدة واقتحام أسواقٍ جديدة والبحث والتطوير والاستحواذ والتحسينات التكنولوجية وما إلى ذلك. ولكي تتسم جهودهم بالفعالية، يجب عليهم تحديد الأولويات المتعلقة بتخصيص الموارد للمساهمة بشكلٍ أفضلَ في تحقيق رؤية الشركة.
وقد يكون من الضروريّ إعادة تخصيص الموارد استناداً إلى تغيّرات أجواء الأعمال الداخلية أو الخارجية، كما تساعد تقنيات إدارة الحقائب الاستثمارية على تحسين كيفيّة تخصيص الموارد عبرَ وحدات الشركة المختلفة.
#6 – الخطة التنفيذية
توضّح الخطة التنفيذية سبل تنفيذ استراتيجية الشركة، إلى جانب تحديد الخطوات الملموسة والمسؤوليات والإطار الزمنيّ والميزانية ومؤشرات الأداء الرئيسية اللازمة.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم الخطط التنفيذية في تحويل التفكير الاستراتيجي إلى مخرجاتٍ عمليةٍ فضلاً عن تمكين عمليات التنسيق والتواصل عبرَ كافة أقسام الشركة، على أن تكون الخطط قادرةً على توقع المخاطر المحتملة والعقبات وتكتيكات التخفيف من حدّتها وآثارها المحتملة؛ كما يجب مراقبة التقدم باستمرار، مع إجراء التعديلات وفقاً للظروف الطارئة، وتعتبر الخطة التنفيذية الدقيقة ضروريةً لتفعيل استراتيجية الشركة وتحقيق النتائج المرجوّة.
#7- إدارة المخاطر
نظراً لأن استراتيجية الشركة تهدف إلى تحقيق نتائجَ طويلة الأمد، فإن ذلك ينطوي على قدرٍ من المخاطرة، ومن شأن إدارة المخاطر تقييم السلبيات المحتملة لخطواتٍ مثل: اقتحام أسواقٍ جديدة أو الاستحواذ على شركاتٍ منافسةٍ أو إطلاق منتجاتٍ مبتكرة، كما يمكنها تحديد المخاطر التي يُحتمل أن تعرقل نجاح استراتيجية الشركة.
وتساعد أساليب التقييم النوعيّ والكميّ للمخاطر على قياس احتمالية النتائج السلبية وتأثيرها على رفاهية الشركة، علماً بأنه يمكن تصنيف المخاطر لتحديد أولوية جهود التخفيف من حدّة التهديدات الجادة أولاً، حيث تتراوح أساليب مجابهة المخاطر بدءاً من تجنّبها، وتقليل احتمالية حدوثها أو تخفيف عواقبها، وتحويل بعض المخاطر وصولاً إلى تقبّل مستوى معيّنٍ من المخاطرة، وينبغي مراقبة المخاطر عن كثب وتعريف حالات الطوارئ لاتخاذ إجراءاتٍ سريعةٍ حالَ حدوثها.
أمثلة على استراتيجيات الشركات الناجحة
في حال كنتم ما تزالون غير متأكدين من كيفية تنفيذ الشركات لاستراتيجياتها بنجاح، فسنحاول خلال الأسطر الواردة أدناه مشاركتكم أربعة أمثلةٍ، ويُعدّ كلٌّ منها مثالاً لنوع من أنواع الاستراتيجيات التي عرضناها سابقاً حتى تتعرّفوا على كيفية عملها في العالم الحقيقي.
مثالٌ على استراتيجية النمو: شركة أمازون
تستخدم شركة أمازون (AMZN) العديد من استراتيجيات النموّ لتوسيع إمبراطوريتها التجارية الإلكترونية، ويُعدّ التنويع أحد المناهج الرئيسية في القطاعات الجديدة. وكانت شركة أمازون قد بدأت مسيرتها كمتجرٍ لشراء الكتب عبرَ الإنترنت، لتطوّر بعدها العديد من وحدات الأعمال التجارية الجديدة، ومن بينها خدمات أمازون الإلكترونية (AWS): وحدتها التجارية للخدمات السحابية ذات الربحيّة العالية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخدمة أصبحت العمود الفقريّ للعديد من المواقع والتطبيقات الإلكترونية حالياً، كما أحدثت أمازون طفرةً في برامج الولاء عبر برنامجها “أمازون برايم”، والذي أسهمَ برفع توقعات المستهلكين حول إمكانية تتبع عمليات الشحن. علاوةً على ذلك، استحوذت أمازون على شركة Whole Foods إضافةً لطرحها خدمة توصيل أغراض البقالة Amazon Fresh، وهو عرضٌ لتطوير نفاذها السوقيّ في قطاعي البيع بالتجزئة والغذاء. وبالتالي، جعلت استراتيجية النموّ من أمازون الشركة الأعلى قيمةً عالمياً ووسّعت من نطاق أسواقها التي يمكنها المنافسة فيها إلى عدّة تريليونات من الدولارات.
مثالٌ على استراتيجية الاستقرار: شركة كوكاكولا (CocaCola)
على مدى أكثرَ من 130 عاماً، اتبعت شركة كوكاكولا استراتيجية الاستقرار التي تركز حول منتجها الناجح وهو المشروب الغازيّ، في حين وسّعت تدريجياً حقيبتها الاستثمارية من المشروبات، حيث ركزت على تعزيز هوية علامتها التجارية الأساسية والحفاظ على ريادة حصّتها السوقية. وعلى الرغم من الاتجاهات الصحية الجديدة والمنافسة، ظلت شركة كوكاكولا متمسّكةً بمشروبها الغازيّ الأصليّ.
يُذكر أن الشركة مستمرّةٌ في الاستثمار بشكلٍ كبير في التسويق لعلامتها التجارية عبر حملاتٍ متنوّعةٍ مثل حملتها: “افتح السعادة”، كما أنها كانت قادرةً على اختراق أسواقٍ عالمية، ما جعل شركة كوكاكولا متواجدةً في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من التزامها بنموذج أعمالها الأساسيّ، حققت شركة كوكاكولا نجاحاً مستداماً من خلال تنفيذ استراتيجية الاستقرار الساعية لاستغلال قوّة علامتها التجارية المُجرّبة مع مرور الوقت.
مثالٌ على استراتيجية الانكماش: شركة جنرال إلكتريك (General Electric)
مثلت شركة جنرال إلكتريك في وقتٍ ما أحد أعلام العلامات التجارية الأكثرِ قيمةً عالمياً، إلا أنها تعثّرت خلال عقد 2010 قبل أن تبدأ بتبنّي استراتيجية الانكماش، فقد أصبحت الشركة ضخمةً بشكلٍ جعلها تفتقر إلى التركيز نتيجةً لعقود من التنويع الاستثماريّ. ولتبسيط الأمور، عادت شركة جنرال إلكتريك إلى جذور قطاع عملها الأساسيّ عبرَ التخلّص من بعض أصولها المتعلقة بالخدمات المالية ووسائل الإعلام.
كما تخلت الشركة عن وحداتها التجارية المتعثّرة مثل: تصنيع الأجهزة المنزلية والقاطرات، لتتبنى خطة إعادة الهيكلة التي سعت إلى جعلها شركةً صناعيةً متخصّصةً وأكثرَ تركيزاً على الطيران وتجهيزات الرعاية الصحية والبنية التحتية لمنتجات الطاقة. ومن خلال التخلص من أكثرَ من 200 مليار دولارٍ من فروع الأعمال التجارية، قلّصت شركة جنرال إلكتريك استثماراتها لتركّز على مناحي كفاءاتها الأساسية. وعلى الرغم من أنها لا تزال في مرحلة التعافي، إلا أن استراتيجية الانكماش ساعدتها على تقليص ديونها وتبسيط نطاق عملياتها التشغيلية.
مثالٌ على استراتيجية إعادة الابتكار: شركة نتفليكس (Netflix)
تعد شركة نتفليكس (NFLX) مثالاً حياً على استراتيجية إعادة الابتكار التي كانت قادرةً على استغلال التكنولوجيا الرقمية لتغيير وجه نموذج الأعمال الخاص بالشركات القائمة. وكانت الشركة قد تم تأسيسها لتقديم خدمة تأجير الأقراص المدمجة، لتتجه بعدها للاستفادة من انتشار الإنترنت عالي السرعة إضافةً إلى رَوَاج الأجهزة المحمولة وانتشارها، ولتحوّل نموذج أعمالها إلى خدمات بث الفيديو عبرَ الإنترنت حسب الطلب، وتزيحَ عدداً من كبار اللاعبين الأقدم في القطاع مثل نظيرتها شركة بلوكباستر (Blockbuster).
جديرٌ بالذكر إعادة شركة نتفليكس ابتكارَ مفهوم استهلاك المحتوى الإعلامي وسلوك المشاهدة عبر ممارسات المشاهدة المتواصلة للحلقات المتلفزة، حيث نجحت واجهة استخدامها إضافةً إلى خوارزميات (برمجيات) توصيات وترشيحات المشاهدة الخاصة بها في الإبقاء على تفاعلات المشتركين واستهلاكهم للمحتوى المقدّم لساعات؛ فمن خلال اعتمادها على التكنولوجيات المستحدثة وتغيير كيفية وصول العملاء ومشاهدة محتوى الفيديو بشكلٍ جذريّ، أعادت شركة نتفليكس ابتكارَ مفهوم الترفيه المنزلي لتصبحَ أحد أبرز روّاد المجال الإعلاميّ عالمياً.
كيفية تصميم استراتيجية الشركة الخاصّة بمشروعكم التجاري
ربّما تكون مهمّة تحويل استراتيجية الشركة إلى خطة عملٍ قابلةٍ للتنفيذ عمليةً مرهقة. ومن أجل مساعدة قرائنا في هذا الصدد، قمنا بتوضيح مجموعةٍ من الخطوات الواجب اتخاذها لتطوير وتنفيذ استراتيجية الشركة لصالح أعمالهم التجارية، بدايةً من صياغة رؤيتها ورسالتها.
الخطوة الأولى: تعريف رسالة ورؤية الشركة
تتمثل أولى خطوات إنشاء استراتيجية الشركة في صياغة رسالةٍ ورؤيةٍ واضحةٍ للمشروع التجاري، إذ يجب أن تكون هذه الرسالة موجزةً وتُعبّر بسهولةٍ عمّا تقوم به الشركة ونوع المنتج أو الخدمة التي تقدمها وما يميّزها عن بقية منافسيها، على أن تتسم هذه الرؤية بالجراءة والتركيز على الأهداف بعيدة المدى، وأن يكون من السهل تحديدها متى حققتها الشركة؛ فهي ما تحاول الشركة -ببساطةٍ- تحقيقه خلال الـ 3 إلى 5 سنواتٍ القادمة.
الرسالة:
نحن إحدى الشركات الرائدة في توزيع منتجات المنظفات الصناعية في الغرب الأوسط من الولايات المتحدة، ونوفر للعملاء منتجاتٍ عالية الجودة وخدماتٍ قيّمةً بشكلٍ استثنائيّ.
الرؤية:
نسعى لتوسيع نطاق عملنا كي نصبحَ المورّد الرئيسي لمنتجات المنظفات الصناعية لآلاف الشركات المتوسطة والكبيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
الخطوة الثانية: تحليل الوضع الحالي
الخطوة التالية هي تحليل الوضع الحاليّ للشركة عبر إعداد تحليل SWOT المشار إليه تفصيلاً أعلاه. وتهدف هذه الأداة التحليلية لمساعدة صانعي القرار على تقييم مكانة الشركة من خلال تحديد نقاط قوتها ومكامن ضعفها (العوامل الداخلية) والفرص والتهديدات المحتملة (العوامل الخارجية).
وفي حين يمكن أن تكون نقاط قوتها النموذجية عبارةً عن “فريق مبيعاتٍ قويٍّ بسجّلٍ إيجابيٍّ يتجاوز المستهدفات الشهرية”، فقد تكمن نقاط الضعف في “قلة معدّلات تصريف المخزون”.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن اعتبار الفرص المتاحة أهدافاً استثماريةً مفيدةً يمكنها أن تصبح نقاط قوّة -إذا ما تم استغلالها- أو عواملَ مساعدةً في تحقيق الشركة لأهدافها. مثال: “يمكن لظهور تقنية الذكاء الصنعي مساعدة الشركة على أتمتة بعض العمليات التشغيلية وتوفير مبالغَ ماليةٍ كبيرة سنوياً”.
أما بالنسبة للتهديدات، فهي مجموعةٌ من العوامل الخارجة عن سيطرة الشركة والتي يمكن أن تؤثر سلباً على أدائها. مثال: “قد يؤدي ارتفاع الرسوم الجمركية إلى زيادة سعريةٍ كبيرة يمكنها إضعاف قدرتنا على المنافسة مع المصنّعين المحليين”.
الخطوة الثالثة: وضع الأهداف الاستراتيجية للشركة
من خلال استخدام نتائج أداة SWOT وتحليلاتها، يمكن للشركات وضع أهدافها الاستراتيجية بغرض تحديد السبل المثلى لاستخدام نقاط قوتها والاستفادة من الفرص الموجودة في السوق.
علاوةً على ذلك، يجب وضع أهدافٍ للحدّ من مكامن الضعف أو اقتلاعها من جذورها لمساعدة الشركة على تطوير نقاط قوّة جديدة مثل: إطلاقِ منتج جديد، أو إتمام جولةٍ تمويليةٍ، أو تبنّي تقنيةٍ جديدة.
وأخيراً، قد تكمن أولوية بعض الشركات في تقليل آثار العوامل الخارجية (التهديدات) على أدائها وتحويلها لهدفٍ استراتيجيّ.
الخطوة الرابعة: الخروج بخطة عمل
بمجرّد تحديد الأهداف، سيكون الوقت قد حان لوضع خارطة طريقٍ قادرة على توجيه جهود الشركة نحو تحقيقها، ويجب تصوّر خطة عملٍ لكلِّ هدفٍ استراتيجيٍّ باعتبارها نقطةً مرجعيّة، ثم يجب تحديد خطوات تطبيقٍ تفصيليةٍ بشكلٍ تدريجيّ.
كذلك يجب تحديد مسؤوليات كلِّ قسم ومجالٍ في الشركة بشكلٍ واضح جنباً إلى جنب مع النتائج المتوقعة لكلِّ إجراء، ويجب أيضاً توفير أشخاص مسؤولين يمكن الاستعانة بهم في أيِّ مرحلةٍ لتحديد مدى تطوّر ونجاعة الخطة، والمبادراتِ التي ما تزال بحاجةٍ للتنفيذ، والجدول الزمنيّ لتسليم ما تم تكليفهم به.
الخطوة الخامسة: تخصيص الموارد
تمتلك الشركات مواردَ محدودةً ويجب توزيعها على النحو الأمثل للتأكد من إسهامها المؤثر في تحقيق رؤية الشركة، وستتطلب خطط العمل آنفة الذكر موارد بشريةً وماليةً وغيرها كي تتحقق، وعليه سيكون المدير العام أو رئيس استراتيجية الشركة مسؤولاً عن تحديد كيفية توزيع الموارد عبرَ مختلف أقسام الشركة للمضيّ قدماً في تحقيق ذلك.
الخطوة السادسة: وضع خطةٍ لإدارة المخاطر
بطبيعة الحال، لا يسير كلّ شيءٍ وفقاً لما هو مُخطط له دائماً، ويجب مراعاة تأصّل المخاطر والنتائج السلبية في رحلة المشاريع التجارية، لذا يُعتبر إعداد خطةٍ لمواجهة هذه المخاطر الطريقة المُثلى للتخفيف من حدّة تأثيرها.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال وضع خطةٍ احتياطيةٍ لكلِّ إجراءٍ أو هدف، وتتمثل الخطط الاحتياطية في ترتيبها على نحوٍ ما مثل: الخطة “أ” ثمّ الخطة “ب” فالخطة “ج”، أو يمكنها تمثيل أهدافٍ بديلةٍ يمكن استبدال الأهداف الحالية بها إذا تبيَّن صعوبة تنفيذها.
الخطوة السابعة: رصد التقدم وإجراء التعديلات
تنطوي استراتيجية الشركة -كما جرت العادة- على رؤى طويلة الأجل. وبالطبع، ستواجه المشروعات التجارية عقباتٍ وانحرافاتٍ على طول الطريق، وقد يكون تقدّمها أبطأ من المتوقّع. لذا، يجب على المديرين متابعة سير الأمور عن طريق مراقبة المؤشرات الحيوية ومؤشرات الأداء الرئيسية من خلال إنشاء لوحات معلوماتٍ يمكنهم التحقق منها بسرعةٍ للحصول على صورة واضحةٍ لكيفية اتخاذ إجراءاتٍ عمليةٍ لتحقيق الأهداف الأساسيّة للاستراتيجية، كما يمكن لهذه اللوحات المعلوماتية توفير رؤى مفيدة وإشاراتٍ توضيحيةً في حال كانت هناك حاجةٌ لإجراء تعديلاتٍ على الاستراتيجية العامة للشركة حتى تستمرَّ في المضيّ قدماً.
هل تُعتبر استراتيجية الشركة ضروريّة لمشاريعكم التجارية؟
تعتبر استراتيجية الشركة الفعّالة أمراً لا غنى عنه لنجاح أحد المشروعات التجارية ورسوخِه على المدى الطويل؛ فبدون استراتيجيةٍ متماسكةٍ، تفتقر الشركات إلى اتجاه واضحٍ ومحدّد وتتعرّض لخطر التخلف عن رَكب منافسيها ممّن لديهم خطط استراتيجيةٌ واضحة المعالم.
كما توفر الاستراتيجية خارطة طريقٍ لتوجيه القرارات الإدارية وتخصيص الموارد لإثراء المزايا التنافسية، وتمكن الشركات من تحديد الفرص السوقية مع تفادي نقاط الضعف والحدِّ من التهديدات الخارجية؛ لذا فحتى الشركات المستقرّة تحتاج إلى استراتيجيةٍ للحفاظ على مكانتها ورسوخها.
وتتطلب صياغة استراتيجية الشركة رؤيةً عمليةً ثاقبةً ومهاراتٍ تحليليةً، كما يجب على مديري الشركات تقييم موقع شركتهم بشكلٍ موضوعيٍّ وتحديد الخيارات المتاحة أثناء اتخاذهم القرارات لتعظيم قيمة أعمالهم التجارية، ويجب عليهم -كذلك- أن يتوقعوا المتغيّرات المستقبلية المتوقّعة في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والخاصّة بقطاع أعمالهم.
علاوةً على ذلك، يتطلب تطوير استراتيجية الشركة قدراً من الإبداع لتصوّر منتجاتٍ جديدة أو نماذج أعمالٍ أو أسواقٍ جديدة، سواءً تم إنشاؤها داخلياً أو بمساعدة مستشارٍ خارجيّ. وبالتالي، يجب أن يقوم على صياغة استراتيجية الشركة شخصٌ عارفٌ بكافة تفاصيل القطاع. أمّا بالنسبة للمؤسّسات الكبرى، فسيكون وجود مدير استراتيجيةٍ رئيسيٍّ أو فريقُ تخطيطٍ استراتيجيٍّ أمراً مثالياً إذا كان ذلك ممكناً مالياً.
وهكذا، في مشهد الأعمال دائم التغيّر بشكلٍ كبيرٍ مؤخراً، تُعدّ استراتيجية الشركة أمراً ضرورياً لتوجيه المؤسّسات والشركات خلال فترة الاضطرابات وعدم اليقين. وفي ظلّ حالة التغيّر الدائم للتكنولوجيا والأسواق، يجب على الشركات تقييم خططها الاستراتيجية باستمرار، حيث تمكن الاستراتيجية المرنة كلاً من المشروعات التجارية الناشئة والشركات الكبيرة الراسخة من استطلاع واستغلال الفرص المستقبلية.